Tuesday, May 8, 2012

من يبرر قتل شعب يقتل الإنسان الذي فيه

1 مايو 2012

عزمي بشارة

"عندما يقوم نظام بإرسال دبابات كي تقصف أبناء شعبه في مدنه وأحيائه السكانية فإن الرد "الغريزي" المتوقع من صاحب موقف أخلاقي هو الوقوف مع الشعب ضد النظام. ففي نظرهِ، سواء أكان ديمقراطيا أم لا، يصبح نظام ما غير شرعي إذا وجد نفسه مضطرا لقتل الناس وقمعهم وتعذيبهم بالجملة لكي يبقى في الحكم، وذلك لأن الشعب لم يعد يقبل به، أو لم يعد يحتمل العيش تحت حكمه.

ثمة عطلب أخلاقي في إنسان يجد نفسه يبرر القتل باسم مؤامرة أو غيرها، أو باسم هدف سام يخدمه النظام، متناسيا آلام الشعب نفسه في الطريق، فإنه يفقد إنسانيته هو أيضا، ويشوه ذاته وهو يثرثر حول المؤامرة.

لا يمكن أن يكون إنسان مع المقاومة فعلا وأن يتجاهل حق شعب في مقاومة الظلم اللاحق به. ولا بد أن دافعا آخر دفعه للوقوف مع المقاومة... وقد يكون صادقا فعلا في موقفه، ولكنه يدافع عن المقاومة ككائن ميتافيزيقي لا علاقة له بالناس وبالمقاومة العينية والظلم العيني. ولا فضل لهذا الموقف الثاني على الأول.

ولا يمكن ان يقف إنسان مع فلسطين ضد احتلالها وضد معاناة الشعب الفلسطيني والأمة العربية من هذا الاحتلال، وأن يبرر باسمها قمع شعب آخر. وحتى إذا افترضنا الصدق فإنه لا يقف مع فلسطين الفعلية الحقيقية وأهلها في فلسطين والشتات، بل مع كيان ميتافيزيقي قائم في رأسه هو. فمعاناة الفلسطينيين الفعلية في الداخل والشتات هي مسؤولية ورسالة تمنع من تأييد المستبدين، وترى المعاناة ومن ضمنها تل الزعتر، وحرب المخيمات الرهيبة وصبرا وشاتيلا، التي يقف أحد مرتكبيها مع النظام السوري حاليا ويوزع شهادات في الوطنية والعمالة على الوطنيين الأحرار.

إن عقلية من يبرر معاناة الناس الشعوب وإذلالها وقتلها من أجل قضية أسمى من الشعوب هو أسير نفس العقلية البلشفية الفاشية التي بررت لستالين قتل الملايين من أحل قضية سامية، حين كان يدوس على كل القضايا السامية والنبيلة في الطريق، ليتبين أنه منذ البداية كان يدافع عن نظام فاسد ظالم وقاتل ومستبد، والمصيبة أيضا أنه تحت المتوسط في الإداء وغير ناجع في شيء سوى القتل والتفنن في الإذلال.

هنالك من تقاطعت طريقه في النضال ضد اسرائيل مع سوريا ومع المقاومة، وتحلف معهما ضد إسرائيل. وكان يعرف طبيعة النظام، ولكن إسرائيل موجودة، والشعب لم يثر بعد، ولا يفترض ان يقوم مقام الشعب السوري في نضاله. ولكن حتى هذا لم يكن شرعيا ولا مسموحا له أن يتهم ضحايا النظام بالتآمر، ولا أن يبرر قمع النظام لشعبه، ولا حتى في تلك المرحلة.

هنالك فئة صغيرة وهامشية وقفت ضد سوريا والمقاومة حين كانت تقاوم إسرائيل، ولكنها تقف الآن مع النظام، حين يذبح شعبه. هل هنالك كائن كهذا؟ نعم موجودون وغير مهمين، وهم ويحرضون أيضا على من يقف مع الشعب السوري. ولا بد ان دوافع دنيئة شخصية أو طائفية أو غيرها تدفعهم. فقد وقفوا حتى ضد المقاومة في حينه، ولم يؤيدوا سوريا إلا حين اعتبرت السلام مع إسرائيل خيارا استراتيجيا، والآن يؤيدون النظام وهو يقتل شعبه.
"

No comments: