Sunday, December 9, 2012

ملاحظات عراقية للتفكير بسورية

9 ديسمبر 2012
By Azmi Bishara

"كان المصير الذي آل إليه العراق مكتوبا على الحائط طيلة العقد الأخير. وكانت المشاهد القادمة منه تذكر الجميع بأهوال الانقسام المذهبي، والتدخل الأجنبي، والنفوذ الإقليمي ذي الأجندات التفتيتية. وكان هذا أحد عوامل تفضيل الشعب السوري للاستقرار. وهذا ما جعل مقولة فقهية محافظة مثل "حاكم ظلوم ولا فتنة تدوم" تصلح عنوانا. وحتى الآن، لا أحد يعرف متى يعود العراق إلى ذاته، عراقيا (ل ا طائفيا) على الأقل. أما متى يعود عربيا فعلا، فسؤال يتردد الإنسان بطرحه أصلا. 
لقد قام الشعب السوري بكل ما يلزم لتجنب الثورة. وقام النظام بكل ما يلزم لدفعه إليها. وثار الشعب السورية ثورته مجيدة. ولكن في مرحلة ما غطت الدماء العيون، وفي تفاصيل النكبات التي تعرض لها الشعب السوري غابت صورة العراق ومصيره عن الأذهان. وطفا على السطح نوع من المعارضين السياسيين ليست لديه تصورات واضحة، ولا حس سياسي مسؤول، لا لمستقبل سوريا ولا للعراق وفلسطين. ولا يرى خطورة الفوضى، ولا يحذر منها، وليس لديه حساسية للمخططات الغربية بشأن سورية، وعلاقة هذا كله بإسرائيل. حتى بلادة الغرب في التعامل مع ما يجري واتضاح مصلحته بتدمير سوريا لم يذكّرهم بشيء.
(وطبعا لا تخلو قيادات المعارضة السياسية السورية من شخصيات وطنية مسؤولة تفكر بجدية بمستقبل سوريا والإقليم، ولكن نوع القمع الرسمي وحجمه، وانتقال ثقل الصراع والمواجهة الى ميادين القتال همشت السياسيين). والآن عاد نفس نمط الحديث الأميركي الممجوج والمتبوع بتصريحات أمين عام الأمم المتحدة عن الأسلحة الكيماوية لتذكير الجميع بمصير العراق. إنها مناسبة للتفكير بالنقاط التالية:
1. المذهبية التي لم تترك شيئا لم تلوّثه، ولم تترك مؤسسة لم تفتّتها، وأنهت عروبة العراق، وحوّلت العرب إلى طوائف هي مجالات نفوذ لدول إقليمية. لم تنشأ قومية عراقية بدل العربية بل قومية كردية وطوائف شيعية وسنية وغيرها. هذا موضوع للتفكير في سوريا.
2. تفكيك الجيش العراقي وهو لم يكن من أسس منعة العراق فقط، بل من أسس وحدته أيضا.
3. نشوء طبقة فاسدة (ماليا وأخلاقيا) من السياسيين الذين لا يجمعهم سوى أنهم كانوا ضد النظام السابق وبعضهم كان ضده للأسباب الخطأ أصلا. ولا يبدون حساسية تجاه حقوق الإنسان والمواطن، في بلد تعمي فيه الثأرية السياسية (المذهبيّة اللبوس والأقنعة) عيون حكامه وبعض أحزابه، وباتت تُستخدم فيه عقوبة الإعدام بالجملة.
4. الجمع بين نفوذ الولايات المتحدة ونفوذ دولة مثل إيران بناء على أجندات لا علاقة لها بوحدة العراق ومصالحه الوطنية. لا يحتاج المرء إلى واسع الخيال لكي يضع في سوريا دولة أخرى في خانة الدولة الإقليمية. لترتبط التقسيمات المذهبية للمشرق بدول إقليمية فيتم تأبيدها.
الفرق الذي لا يجوز أن ننساه هو أنه في سوريا قام الشعب بثورة، ولم تقم فيه معارضة طائفية الطابع وثنائية الولاءات باستدعاء تدخل أميركي عسكري مباشر أدى الى احتلال العراق بناء على أجندات امبريالية وصهيونية وتنظير المحافظين الجدد حول الديمقراطية، وكانت إيران تنتظر وتستفيد من هذا كله لناحية توسيع نفوذها في العراق. 
ما يجري في سوريا هو ثورة وطنية سورية بكل معنى الكلمة، وامتناع غربي عن التدخل، وهذا معاكس تماما لما جرى في العراق. ولكن النفوذ الأجنبي في فوضى الكتل السياسي والكتائب المسلحة، وتفتت المجتمع والدولة، وفوضى السلاح يعرضها لمخاطر شبيهة بتلك المذكورة أعلاه، والتي ألح على ضرورة التفكير فيها من أجل بناء سورية بعد الثورة.
"

No comments: