Friday, July 5, 2013

الابتعاد عن السيناريو المفضل... والثورة مستمرة

AN EXCELLENT COMMENT BY HANEEN ZOA'BI

حنين زعبي

"وعد الشعب المصري القيادة التي ستنتخب بمرجعية ثورة 25 يناير، أنها ستبقى تحت الاختبار، وأعلنها بشكل واضح، لا لبس فيه، أن البرلمان سيحكم بمرجعية الميدان، أي أن "مرجعية الثورة" ستبقى مفعلة، ما دام الميدان يقظا، وما دام النظام المنتخب لم يحول "مرجعية الثورة" إلى قواعد ثابتة  في الحكم. لكن الذي فعله النظام المنتخب وفق أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر في تاريخها، أنه قام بنسف القواعد الثابتة لثورة ما زالت متحركة، غافلا أن الحراك الثوري هذا يؤسس لأغلبية متغيرة، لا يشير لها صندوق الانتخابات.
ما دامت الثورة مستمرة، وما دام الميدان يقظا، فالحكم على الأمور يتم بمرجعية الثورة، وليس بمرجعية صندوق الانتخابات، وسيكون المطلوب ممن استلم الحكم، بغض النظر عن أيديولوجيته وعن مشروعه السياسي، أن يؤسس هو لقواعد حكم ديمقراطية، تعكس قيم الثورة وأهدافها، وأهمها تشكيل دستور يضمن العدل والمساواة، وسيادة القانون، وبناء مؤسسات تعتمد على الكفاءات، وإطلاق الحريات العامة والفردية، وضمان استقلال القضاء والإعلام، وقبل ذلك مطلب الثورة الأول وهو محاكمة رموز النظام السابق الضالعين بالفساد والقمع.
هذه مطالب الثورة، وهي لا تسقط بالاحتكام لصندوق الانتخابات، وهي قائمة بغض النظر عن نتائجه، كما أنها تعتبر شروطا ضرورية، لئلا يحسب النظام خارجا عن أهداف الثورة وقيمها. إلى جانب ضمان تلك المطالب، التي تؤمّن بناء الديمقراطية، كان على النظام أن يعمل على نهضة مصر اقتصاديا وصناعيا وعلميا، وأن يقدم حلولا اقتصادية واجتماعية لمشاكل الفقر والتلوث والبطالة وغيرها.
سقط نظام مرسي لأنه فشل في بناء الديمقراطية من جهة، ولأنه فشل في تقديم حلول لمشاكل مصر المستعصية. ولم يسقط لأنه ينتمي لحركة الأخوان المسلمين، بل إن العكس هو الصحيح، لقد قررت الحركة أن تفشل نفسها قبل أن يقرر شعبها إسقاطها من السلطة، وذلك بأن وضعت نفسها ومؤسساتها ومصالحها فوق مصالح الدولة، ولم تحسن قراءة الواقع الثوري الجديد وتعاملت معه كواقع ما قبل الثورة، وبأدوات إدارة قديمة. باختصار لم يستوعب نظام مرسي المرحلة.
وفي الوقت الذي ضمن فيه الميدان ثورة شهد لها العالم، لم يضمن صندوق الانتخابات حكما ثوريا، ولا استطاعت يقظة الميدان التأثير على ثورية النظام، الذي لم يرغب هو الآخر في إدارة واستيعاب الفئات الثورية العديدة التي بقيت مشتعلة وفاعلة بعد الانتخابات، بل وخسر – وهو الفائز بفارق صغير جدا- جزءا كبيرا من مصوتيه، كما يشهد بذلك ميدان التحرير، وكما تشهد "جبهة الإنقاذ" المكونة من فئات سبق وانتخبت مرسي.

إلى جانب ذلك، فشل النظام في خطوات بناء الديمقراطية، ففشل في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور داخل البرلمان، وضمن بذلك دستورا وسع من صلاحيات الرئيس دون إمكانية الاحتكام للقضاء، ودخل في صدام أفقي مع المجتمع، وحاول الاستحواذ على مؤسسات الدولة، مخاطرا أولا بشرعيته هو التي لا معنى لها خارج تمثيل وحدة مصالح الدولة.

ولم يدخل نظام مرسي في صدام جدّي مع الفلول، ومع رموز وبقايا حكم مبارك، وكان يستطيع ذلك، إلا عندما هدد هؤلاء سلطته بشكل مباشر، فمثلا، لم يطلب مجلس الشعب، صاحب الأغلبية الاخوانية، عزل أحمد شفيق، رمز نظام مبارك، إلا بعدما قررت الحركة خوض المعركة الرئاسية، ورأت في شفيق منافسا لها.
  
كان الفشل في تطهير بقايا نظام مبارك، وفي بناء ديمقراطية ما بعد الثورة، فشلا في تأسيس شرعية مرسي نفسه، فكان هو أول من أخرج نفسه عن كونه ممثلا لشرعية عامة، وعامل الدولة ومؤسساتها كممثل لفصيل سياسي. لقد تراجعت حركة الأخوان المسلمين أولا عن موقفها بعد ثورة ٢٥ يناير، بعدم ترشيح رئيس للجمهورية منها، ثم أكدت أنها لن تسعى إلى أكثر من ثلث مجلس الشعب، حتى لو استطاعت، ثم تراجعت، ثم رشحت "مستقلين"  قريبين من الحركة، ثم ألحقت ذلك بتعيينات حزبية كثيرة.
مع ذلك، لم يكن ما حصل هو السيناريو المفضل...

كان من الأجدى بكثير، لو استوعب نظام مرسي قواعد المرحلة الجديدة، وقرر إما الانسحاب من السلطة والاستقالة، والدعوة لانتخابات مبكرة، وإما الانسحاب من قرارات سياسية تتعلق بالدستور وغيره والتراجع عنها. دخول الجيش كمنقذ، في صراع سياسي من الدرجة الأولى، فيه الدولة بعيدة عن الانهيار أو عن الحرب الأهلية، دليل على توسع صلاحيات الجيش وتدخله في اللعبة السياسية.   
كان من الأجدى للمعارضة، لو حرصت على الفصل ما بينها وما بين معارضة الفلول، لأن دون ذلك الفصل تضيع قيم الثورة وأهدافها مرة أخرى، ويتحول الصراع من صراع ثوري صرف، إلى صراع ضد حركة سياسية بعينها هي حركة الأخوان المسلمين. وفي هذا السياق، يتحمل مرسي نفسه مسؤولية عدم حصار الفلول سياسيا، وعدم فرزها عن المعارضة الوطنية.
وبما أن الثورة مستمرة، وما حصل حصل بمرجعيتها، فعلى شعب الميدان أن يحرص على عدم حصار حركة الإخوان المسلمين، وعلى التعامل معها كحركة سياسية شرعية، دون إقصاء أو معاقبة، فهذا هو أحد امتحانات المرحلة المقبلة، ومؤشر هام على أن ما حصل حصل بمرجعية ثورية وليس لأهداف سياسية انتقامية. المهمة الثانية للميدان، هي تمايز المعارضة، ما بين معارضة ثورية، وما بين الفلول، الموجودين هم أيضا داخل الميدان، فاستكمال الثورة، لا يتم دون عزل مؤيدي نظام مبارك، وإقصائهم هم من اللعبة السياسية، وهذا ما لم نشهده في تصريحات قيادات المعارضة نفسها التي بدأ وكأنها تحرص على عدم التمايز مع نظام مبارك.
كما يجب على المعارضة الثورية أن تراجع نفسها، وأن تقدم نفسها كبديل حقيقي، حيث تبقى هي العاجزة الأساسية منذ الثورة، عن تحمل وحمل نتائجها. و يجب أن تجري حركة الإخوان المسلمين، في كل مكان، مراجعة شاملة لأدائها، وأن تعي حجمها الحقيقي والتراجع الحاصل والمستمر في شعبيتها، وأن تدرك قواعد المرحلة الجديدة في العالم العربي، ومركزية مفهوم الحرية في الثورات العربية.
الثورة مستمرة... وهي ليست إسلامية وليست لا إسلامية.. وهي ثورة في النفوس وفي المفاهيم، وليس فقط في المطالب.. وهي مستمرة حتى ضمان قيمها وأهدافها في النظام السياسي الذي يتم بناؤه.
"

No comments: