Wednesday, October 7, 2015

روسيا تغامر

سلامة كيلة

روسيا تغامر
Link

حطّت روسيا في سورية، يكون الشعب السوري بذلك قد هزم عدوين عملا على سحق ثورته، النظام الذي كان واضحاً ضعفه نهاية سنة 2012، ما استدعى جلب حزب الله الذي أُعدّ لقتال الجيش الصهيوني، فمنع انتصاره سنة 2006، وحشد من الميليشيا الطائفية العراقية (فصائل أبو العباس وحزب الله العراق وفيلق بدر وعصائب أهل الحق وغيرها)، وأيضاً الحرس الثوري الإيراني الذي بات ضباطه هم من يقودون الحرب ضد الشعب، ولميم من الأشتات من باكستان وأفغانستان واليمن.

يظهر، الآن، أن كل هذا الحشد فشل، وظهر، في الأشهر الأخيرة، أن ميزان القوى العسكري اختلّ كثيراً لمصلحة الثورة والقوى التي تقاتل النظام، والتي تخضع لسيطرة دول إقليمية، كانت تريدها أن تحقق انتصارات لإقناع الروس والإيرانيين بضرورة الحل السياسي، مع إبعاد بشار الأسد فقط. ولهذا، أوقفت تقدم بعضها في سهل الغاب، وحاصر أخرى في درعا. عملت على تحقيق انتصارات من أجل المساومة فقط.


الآن، لم تقبل روسيا المعادلة، ومن الواضح أنها تتمسك بالأسد "إلى النهاية"، طبعاً ربما لأنها لا تثق بغيره في بنية السلطة. لهذا تقدمت بحشد عسكري جوي متطور، ويبدو أنها ستدفع بحشدٍ برّيٍّ تحت عنوان "تطوع الروس". وعلى الرغم من أن الهدف هو الحرب ضد داعش، يبدو الأمر في الواقع بعيداً عن ذلك، حيث أن معظم القصف الجوي تركز على الشمال الغربي والوسط، أي على المناطق الذي حققت الكتائب المسلحة فيها انتصارات كبيرة، وباتت على مشارف الساحل. إلى الآن، قامت الطائرات الروسية بغارات هزيلة على الرقة وريف حمص الشرقي، لكنها ركّزت كل قصفها على الوسط والغرب، حيث عملت الكتائب المسلحة على طرد داعش منها منذ زمن سابق.


إذن، حرب روسيا هي ضد القوى التي تقاتل النظام، وليس على داعش التي هي من أدوات النظام وروسيا (عبر الشيشانيين المجندين في داعش ويلعبون دوراً قيادياً فيها). ويبدو أن موسكو تريد أن تسحق الثورة وتكرّس النظام، مع إدخال مدّعي معارضة في "حكومة وحدة وطنية" بديلاً من هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحية. بالتالي، أتوا لكي يجربوا مغامرة حزب الله وإيران، اللذين هزما بقدرة الشعب السوري، على الرغم من حصار كل "الأصدقاء" بمنع التسليح، خصوصاً المتعلق بالصواريخ المضادة للطائرات، تلك الطائرات التي شكلت الخطر الأكبر ضد الثورة، سواء بعمليات القتل والتدمير، أو بمنع تقدم الكتائب المسلحة في عديد المناطق.


سيجرّب الروس حظهم للإبقاء على بشار الأسد، وأظن أنه لن يكون أحسن من حظوظ من سبقهم، على الرغم من أنهم يمتلكون قدرة نيرانية هائلة وتفوقاً تكنولوجياً أعلى. لكن، تحسم الحروب على الأرض وليس من الجو. لهذا سيواجهون ما واجهه حزب الله وإيران من حرب تستنزفهم. ربما كانوا يدخلون تجربة أفغانية جديدة، ويبدو أن غطرسة بوتين، وعقدة المواجهة التي تحكمه، سوف تقودانه إلى منزلق كبير يأتي على دولته، لأن الحرب، هنا، سوف تستنزف الاقتصاد الروسي، الضعيف والمحاصر والمأزوم، خصوصاً بعد انهيار أسعار النفط إلى أكثر من النصف، في بلد تكون نسبة النفط والغاز المصدّر هي 70% من الصادرات، وتبلغ 52% من ميزانية الدولة. الاتحاد السوفييتي حين دخل حرب أفغانستان كان مضعضعاً، ويعاني من مشكلات كبيرة أدت الحرب إلى انهياره. وروسيا الآن تعاني من ضعف شديد كذلك، سيقود التدخل إلى استهلاك قدراتها بالضرورة.


بعد ذلك، تدخل روسيا في تنافس عالي الحدة من دول إقليمية لها مصالح في سورية، وبالتالي، سوف سيكون هناك من يزيد دعمه الكتائب المسلحة، لكي تغرق روسيا في المستنقع فتخسر سورية.


روسيا تغامر وستفشل، على الرغم من كل المآسي التي سوف يتعرض لها الشعب السوري، بعد مآسيه الكبيرة السابقة.


No comments: